العناية بالشعر

كيف كانت المرأة الفرعونية تعتني بشعرها؟

كيف كانت المرأة الفرعونية تعتني بشعرها؟

كيف كانت المرأة الفرعونية تعتني بشعرها؟

عندما يتصفح الإنسان المعاصر الحياة من حوله، بما فيها من أدوات ومنتجات جعلت حياته أسهل، يستشعر لأي مدى هو محظوظ أن خلقه الله في هذا العصر. وقد يتوقف برهة ليتساءل: تُرى كيف كانت الشعوب القديمة تعيش بدون هذه النعم التكنولوجية التي يحيا فيها؟

ولأننا نتحدث في هذه المدونة عن الصحة والجمال، فلابد أن نتوقف قليلاً مع الإنسان القديم لنرى كيف كان يتعامل مع الصحة والجمال في العصور التي لم ترى هذه التكنولوجيا. فلو تحدثنا عن الجمال، وبالتحديد العناية بالشعر، سيكون سؤالنا: كيف كانت المرأة الفرعونية القديمة تعتني بشعرها؟

لنغوص قليلاً في التاريخ القديم لنكتشف معًا مجموعة من الأسرار والعجائب التي ربما تعرفها للمرة الأولى.

مومياء سليمة الشعر

على الرغم من أنه من المعروف أن الشعر يأخذ وقتًا طويلاً كي يتحلل، وربما لا يتحلل على الإطلاق، إلا أنه من الملفت في مومياء الملكة تي أن شعرها شديد الجمال. ليس جميلاً .. ولكن: شديد الجمال. بل، وتم العناية به أثناء عملية التحنيط نفسها كذلك.

عندما قام العلماء بتحليل بعض الخصلات من شعر الملكة تي (جدة الملك توت عنخ آمون الملك الأشهر في الحضارة الفرعونية) لم يجدوا بها أي من مواد التحنيط التي تم استخدامها مع جسدها نفسه. هل تدرك ما معنى هذا؟ معناه أنه أثناء عملية التحنيط نفسها، تم تغطية شعر الملكة تي بعناية شديدة حتى لا يصيبه أي شيء من مواد التحنيط .. حتى يظل سليمًا. هل أدركت الآن إلى أي مدى كانت مسألة العناية بالشعر لديهم في غاية الأهمية؟

وبغض النظر عن كونه شعر الملكة، إلا أن هذه الخطوات تعطي دلالات هامة على مدى براعتهم في العناية بالشعر بشكل عام.

تنظيف الشعر في الحضارة الفرعونية

تميز المصريون بشدة في مسألة النظافة. فقد انتشر في ثقافتهم القديمة وعلومهم المتقدمة حينذاك، أن معظم الأمراض تحدث بسبب قلة النظافة. لذلك كانت مسألة النظافة الشخصية من أبرز السمات التي تميز بها المصري القديم، وبالأخص حواء. ولأنه لا توجد مشكلة حقيقية في بلاد تطل على بحرين ويقطعها نهر عظيم بطولها، فلم يجد المصري القديم ما يعوقه عن النظافة. فلا الأجواء باردة تتسبب في تكاسله عن التعرض للماء المثلج أو الاضطرار إلى تسخينه، ولا المياه نادرة فيزهد في النظافة الشخصية.

ومن ضمن أبجديات النظافة – بالطبع – العناية بالشعر. ولأن البيئة المصرية منذ القدم اشتهرت بالأتربة التي تحملها الرياح، فقد اهتمت حواء القديمة بتنظيف الشعر بعصير الفواكه الحمضية (حمض الستريك) لجعل عملية تنظيفه سهلة وميسورة، ولإكسابه رائحة عطرية جذابة قادمة من الطبيعة. وبالتأكيد علمت المرأة الفرعونية أن كثرة غسل الشعر بالماء ستتسبب في جفافه تقصفه وتساقطه، وهذا دفعها إلى البحث عن حلول بديلة للعناية بالشعر وحمايته من التقصف والتساقط.

هنا يأتي دور الزيوت التاريخية..

الدهون المغذية للشعر في الحضارة الفرعونية (الزيوت التاريخية)

ولطبيعة البيئة المصرية الحارة والجافة، كان من الطبيعي أن يتعرض شعر المرأة الفرعونية القديمة للكثير من العوامل الطبيعية التي تؤثر على نضارته، وأبرزها بالطبع الجفاف. سواء أكان هذا الجفاف بسبب عنايتها الشديدة بغسل الشعر بالماء، أو بسبب طبيعة البيئة الجافة المليئة بالعرق والأتربة.

فعرفت المرأة القديمة العديد من الزيوت الصحية للعناية بالشعر، وحرصت على توريث هذه العادات الصحية في العناية بالشعر لبناتها حتى وصلت إلى الأجيال الحالية.

فقد عرفت المرأة الفرعونية زيت الزيتون كغذاء ودواء ووسيلة للعناية بالبشرة والشعر. فعلمت الكثير عن قدرته الفائقة على تغذية الشعر وتكثيفه وحمايته من التساقط. كذلك عرفت زيت إكليل الجبل، زيت اللوز، زيت الخروع، وغيرها من الزيوت.

كما تعلمت كيفية خلط هذه الزيوت معًا للحصول على وصفة متميزة في العناية بالشعر: تغذيته وحمايته من التساقط، وتكثيف خصلات الشعر. فكان هناك خلطة زيت اللوز مع زيت إكليل الجبل وزيت الخروع. وكان هناك خلطة زيت اللوز مع زيت الزيتون. وغيرها.

نتج عن المداومة على استخدام هذه الوصفات ظهور الشعر دائمًا بمظهر صحي لامع، فجميع ما تم اعتماده للعناية بالشعر في الحضارة الفرعونية كان قائمًا على المواد الطبيعية التي يستخدمها المصري القديم في يومه العادي. لذلك لم يكن غريبًا أن تظهر الفتيات الفرعونيات وملكات مصر القديمة في البرديات وعلى جدران المعابد بشعر طويل مصفف بعناية، وشديد الجمال في مظهره. فهو نتيجة لجهد معتبر في استخدام الدهون القديمة في الحضارة الفرعونية.

ولأنه حدث توغل فرعوني داخل القارة الأفريقية، فقد عرفت الحضارة المصرية القديمة زبدة الشيا وفوائدها الجمة في العناية بالبشرة والشعر. وكذا الأمر بالنسبة لزبدة الكاكاو ذات الرائحة الزكية. فهما يشتركا معًا في منح الشعر ترطيبًا ولمعانًا، ومن السهل العثور عليهما. لذلك تنتمي زبدة الشيا وكذا زبدة الكاكاو إلى عائلة الدهون القديمة في الحضارة الفرعونية.

ونطلق عليها الدهون القديمة، لأنها مازالت مستخدمة حتى يومنا هذا في الكثير من وصفات العناية بالشعر، سواء للزيوت أو الكريمات أو حتى الوصفات الخاصة التي تكون بغرض زيادة طول خصلات الشعر.

تغذية الشعر بالصبار في الحضارة الفرعونية

ولأن مصر تحوي صحارى على جانبي نهر النيل، فقد امتدت بها الملايين من نبتات الصبار، التي تحتوي على الجل السحري (جل الصبار) اللزج، ذو الخصائص الفريدة في العناية بالشعر وتغذيته. فكان يتم دهان فروة الرأس بها لحمايتها من الالتهابات التي تصيب الفروة عادة، ويمنع الحكة (الهرش) وكان يرطب البشرة ويجعل الشعر لينًا. فجل الصبار يحتوي على الكيراتين الذي يغذي الشعر ويحفظه رطبًا قويًا ناعمًا.

حيل تجميلية للشعر من الحضارة الفرعونية مازالت مستخدمة حتى الآن

أما من أعجب الحيل التجميلية التي عرفتها الحضارة الفرعونية فهو مسألة (وصل الشعر Extension)! .. نعم .. عرف المصريون القدماء وصل الشعر وأجادوه، فكانوا يقومون بوصل الشعر ولصقه بالصمغ القوي لجعله أكثر طولًا وجمالاً.

ونساء الحضارة الفرعونية كذلك هن أول من عرف باروكة الشعر أو الشعر المستعار. فكن يستخدمنه لطلب إطلالة خاصة وخاصة ملكات وأميرات البلاط الملكي، والحاشية المقربة من الفرعون من زهوة رجال المجتمع، وبالأخص في الاحتفالات العامة. وقد وُجِدَ في مقابر الفراعنة باروكات الشعر مصممة ومصنعة بعناية شديدة، ومحلاة بأفضل المطرزات الفرعونية القديمة.

شعر مستعار

والمصريون القدماء هم أول من عرف الحناء في العصر القديم، حيث كانوا يستخدمون الحناء بألوانها المميزة لتلوين الشعر من ناحية، وإكسابه ليونة ولمعانًا من ناحية أخرى. وحتى الآن فالحنة من المواد التجميلية المعروفة والمستخدمة، ليس في البيئة المصرية وحدها، وإنما في دول وحضارات عديدة.

هل سمعت عن حمام الطين المغربي؟

عندما بدأ للمرة الأولى لم يكن مغربيًا، بل كان مصريًا. وكان المصريون القدماء هم أول من استخدموه في العناية بالبشرية وزيادة نضارة الجسم. تمتلئ الحضارة الفرعونية بالكثير والكثير من الوصفات المثيرة التي مازالت مستخدمة حتى الآن.

الدهون الحيوانية في العناية بالشعر لدى الحضارة الفرعونية

ولم يقتصر الأمر على اللجوء إلى المستخلصات النباتية، ولكن عرف الفراعنة كذلك أهمية الدهون الحيوانية في العناية بالشعر ودعم قوته وإطالته. فكانوا يستخدمون دهون فرس النهر، الماعز، زيت التمساح، دهون الثعابين، وغيرها من الدهون الحيوانية التي اُشتهرت في تلك الآونة.

لم يتردد المصريون القدماء في تجربة أي مادة دهنية يروا لها احتمالية في إطالة الشعر وحمايته من التقصف والتساقط وزيادة لمعانه. وجاء انعكاس هذه التجارب العديدة على تراث حضاري من نوع آخر: تراث تجميلي.  ومن هذا التراث الحضاري التجميلي عرفنا الكثير من الوصفات والحيل التجميلية التي مازالت معروفة حتى الآن.

الخلاصة:

إذا كنت من أولئك الأشخاص الذين تنتابهم الحيرة بشأن الحضارات القديمة، وكيف كانوا يقومون بأعمال اليوم والليلة قبل اختراع هذا الكم الضخم من المخترعات، فهذا المقال مناسب للغاية بالنسبة لك. فهو يتحدث عن الطرق العديدة والمبتكرة – حينذاك – من قلب الحضارة الفرعونية للعناية بالشعر، وجعله كما كنا نراه في الصور الرائعة التي تركتها لنا الحضارة الفرعونية على جدران معابدها وبين رسوم بردياتها.

اترك تعليقاً